الصفحة الرئيسية  متفرّقات

متفرّقات من هو "الثعلب التركي" الذي أنقذ أردوغان؟

نشر في  19 جويلية 2016  (09:17)

نجح هاكان فيدان في إدخال تعديلات كبيرة في تكوين جهاز المخابرات، ويصفه البعض بـ”الثعلب التركي”، و”الجندي المجهول”، الذي تمكَّن من إفشال الانقلاب ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويُقال إنه صاحب فكرة توجُّه أردوغان بالحديث إلى الشعب التركي بشكلٍ مباشر، مطالبًا إياه بمقاومة الانقلاب عندما قال له: “سنقاتلهم حتى الموت، أنت انزل إلى الشارع، وابقَ مع الشعب”.

وفي تقرير لموقع “عربي 21” سلّط الضوء على هذه الشخصية المثيرة للجدل في الأوساط السياسية، حيث تصبغ عليه وسائل الإعلام التركية ألقابًا عدة من بينها: “حافظ أسرار أردوغان”، و”يد أردوغان الضاربة”، كما يلقّبه الأتراك أحيانًا بـ”السكين”، واكتسب أخيرًا لقبًا جديدًا، وهو “منقذ أردوغان”.

وتقول تقارير إعلامية إن الرجل نجح في إصلاح جهاز الاستخبارات التركية، الذي شهد في عهده نقلة نوعية كبيرة، فانتقل من جهاز مترهّل غارق بالخلافات الداخلية من كل اتجاه، إلى أحد “أقوى” أجهزة المخابرات في العالم.

كما نجح في إدخال تعديلات كبيرة في تكوين جهاز المخابرات، وأقنع أردوغان بتجميع جميع أجهزة المخابرات الخارجية، والأمن والجيش تحت جهاز المخابرات العامة، تحت قيادة مركزية بإدارته، الأمر الذي أزعج الأوساط في الأمن والجيش.

من أنقرة لـ”الطاقة الذرية”
هاكان فيدان، المولود عام 1968 بالعاصمة التركية أنقرة، درس في الأكاديمية الحربية البرية، وتخرَّج منها عام 1986، وأثناء مهمة له بالولايات المتحدة الأمريكية حصل على البكالوريوس من جامعة “ميلاند” في العلوم السياسية والإدارة.

فيما تفيد مصادر إعلامية بأن الرجل عمل، بين عامي 1986 و2001، في وحدة التدخل السريع التابعة لحلف شمال الأطلسي، كما عمل في صفوف فرع جمع المعلومات السريعة في ألمانيا.

حصل بعدها على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة “بيلكنت”، ونال درجة الدكتوراه عام 2006 من “بيلكنت” أيضًا، وتابع دراسته في عدد من المؤسسات والمعاهد، بينها “معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح”، وفي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

عُيِّن فيدان في القوات المسلحة التركية، وعمل فني حواسيب داخل القوات البرية التركية، وشغل منصب مستشار اقتصادي وسياسي في سفارة تركيا بأستراليا، وترأس عام 2003 “وكالة التنمية والتنسيق” التركية.

كما عمل مستشارًا لأحمد داود أوغلو خلال عمله وزيرًا للخارجية، وضمن المسار ذاته عُيِّن عام 2007 نائبًا لمستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن الدولي والسياسة الخارجية، واختير عضوًا بالمجلس الإداري لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

لماذا تكرهه إسرائيل؟
في أبريل عام 2009، عُيِّن نائبًا لرئيس الاستخبارات التركية إيمره انير، وعندما تقاعد هذا الأخير بدأ فيدان مساره رئيسًا للمخابرات (mit)  في مايو عام 2010، وعمره آنذاك 42 عامًا، وعُيِّن مباشرة إثر الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة.

وفيدان هو المستشار الثاني الذي يعتلي المنصب من خارج المؤسسة الاستخباراتية، حيث كان تبتان جوسال هو المستشار الأول الذي عُيِّن من خارج المؤسسة عام 1992.

وأثار تعيين فيدان في المنصب استياء كلٍّ من “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب موقفه من التعاون مع “الموساد” الإسرائيلي الذي يقيم علاقات مع الاستخبارات التركية منذ عام 1958، وتطورت هذه العلاقات، وتم تعزيزها مع بداية التسعينيات؛ لتصبح تعاونًا إستراتيجيًّا، حيث تم التوقيع في هذه الفترة على العديد من الاتفاقيات بين تركيا و”إسرائيل”، وأصبح بإمكان عناصر “الموساد” التحرّك بحرية على الأراضي التركية.

إلا أن فيدان لم يكن راضيًا عن هذا الوضع؛ ما جعل القادة الإسرائيليين لا يُحبّذون وجوده في رئاسة المخابرات التركية، وعلّق وزير الجيش الإسرائيلي إيهود أولمرت آنذاك على تعيين فيدان في المنصب بالقول: “نخشى من أن يقوم رئيس المخابرات التركي الجديد بنقل المعلومات لإيران، فهو يعرف الكثير عن أسرارنا، وفكرة أنه من الممكن أن يُطلِع الإيرانيين على هذه الأسرار أمر مقلق”.

ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تقريرًا عام 2012، جاء فيه “أن فيدان ساعد إيران بتعقب وتصفية شبكة تجسس للموساد تعمل داخل إيران”.

كما ذكرت وسائل إعلام تركية أن فيدان “مرَّر لإيران أخبارًا عن معلومات حساسة جمعتها إسرائيل والولايات المتحدة عن إيران في عام 2010”.

وأواخر عام 2015، نشرت سلسلة مقالات في الصحافة الغربية حملت طابعًا سلبيًّا عن الدور التركي في المنطقة، وكان اسم هاكان فيدان يتردد في أغلبها، واتهم في بعض هذه المقالات بدعم “المنظمات الإسلامية الراديكالية في سوريا وتنمية نفوذها”، و”تسليم جواسيس إسرائيليين لإيران”.

كما ذكرت مواقع تركية أن فيدان نظم “عملية تجسس شرسة” ضد جهاز الاستخبارات الأمريكية (سي آي أيه).

ويقول مسؤول إسرائيلي: “أصبح واضحًا لإسرائيل أن فيدان لم يكن عدوًّا لإيران”، ويقول مسؤولون أمريكيون أيضًا “إن الولايات المتحدة تتجسس على تركيا، ومن جانبها تقوم الاستخبارات التركية بحملة تجسس مضادة وشرسة ضد سي آي إيه”.

وأبَّدت “إسرائيل” تحفظها على تعيين هاكان فيدان، على اعتبار أنه شارك في المفاوضات السرية للملف النووي الإيراني، ومفاوضات السلام غير المباشرة والسرية بين سوريا و”إسرائيل”، واتهمه مسؤولون إسرائيليون بـ”محاباة طهران”.

عمليات تجسس شرسة
وعلى خُطى رئيسه، دخل فيدان هاكان إلى الساحة السياسية الخارجية، عبر الدخول على خط تيار القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وسنحت الفرصة مع حادثة “أسطول الحرية” التركي الذي كان متجهًا إلى غزة في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.

وانتهت أزمة مرمرة باعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتركيا عن الهجوم الدامي على “أسطول الحرية”، الذي قالت “إسرائيل” إن رئيس المخابرات، هاكان، هو صاحب فكرة الأسطول والمخطط الرئيس لها.

الهجوم الإسرائيلي على أسطول المساعدات أعاد رسم صورة تركيا لدى الشعوب العربية، التي أظهرت أيضًا إعجابها بموقف أردوغان الشهير في دافوس، حين رفض الجلوس مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز.

وكجزءٍ من الرد على الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، شنّ رئيس الوزراء داود أوغلو هجومًا على “إسرائيل”، في مؤتمر صحفي عقده بمقر جهاز المخابرات، حضره رئيس الجهاز فيدان، واعتبر هذا المؤتمر الأول من نوعه يظهر فيه فيدان أمام الصحفيين.

وفسَّر البعض أن وقوف فيدان بجوار داود أوغلو خلال حديثه عن علاقة الاستخبارات بالدولة وعن “إسرائيل” بأنه رسالة مبطنة لـ”إسرائيل”، التي تعتبر فيدان أحد أكبر أعدائها، وأخطرهم في المنطقة، وكأنما تهدّد تركيا “إسرائيل” بالرجل الذي يزعجها.

نجاحه في جهاز المخابرات، جعل البعض يذهب إلى أن شخصية مراد علمدار الشهيرة في مسلسل “وادي الذئاب” هي تجسيد واقعي لحياته.

ورغم العلاقة الخاصة التي تربط بين فيدان وأردوغان، إلا أن فيدان فاجأ الجميع في فبراير عام 2015 بتقديم استقالته من منصبه بغرض الترشّح للانتخابات البرلمانية.

هذا الأمر أثار انزعاج أردوغان، الذي أعلن أنه عيَّن هاكان في منصبه “لاقتناعه بكفاءته في إدارة الجهاز بقوة واقتدار”، و”عليه ألّا يغادره ويتجه نحو العمل السياسي”.

ورأى محللون أتراك وقتها أن تشبث أردوغان بهاكان في منصبه يعني أن الأمر ضروري جدًّا لتحقيق الاستقرار في البلاد، خاصة وسط التحديات التي تطرحها المعارك المستمرة مع حزب “العمال الكردستاني”، والنزاع مع “جماعة فتح الله غولن”، والأحداث والتفجيرات التي تضرب تركيا.

ووجَّه أردوغان كلامه إلى فيدان بالقول: “إذا كان جهاز استخبارات الدولة ضعيفًا، فإنه من غير الممكن أن تقف الدولة بشكل ثابت على قدميها”. وأضاف أردوغان وقتها مشيرًا إلى حجم حاجته للرجل: “أنا قمت بتعيينه، في هذه الحالة كان عليه أن يبقى في مكانه، وألا يغادره من دون إذن”.

ما بين الاستقالة والعودة
وبعد أقل من شهر من الاستقالة، عاد فيدان مرة أخرى إلى رئاسة الجهاز، وكان ذلك في مارس عام 2015، وعزت وسائل إعلام تركية هذه العودة السريعة إلى “وعي الرجل لأهمية دوره”، وإلى أنه انتبه إلى أن “حربه ضد الكيان الموازي لم تنتهِ بعد، ولم تتم عملية سلام كاملة مع حزب العمال الكردستاني”.

إلا أن آراء أخرى تقول إن عودته سببها أنه لم يتم الاتفاق على خليفة له في المنصب، لكن دوره الأبرز، الذي أكد صحة قرار أردوغان التشبث به في منصبه، هو قيادة جهاز المخابرات – إلى جانب قوى رسمية وشعبية أخرى – في إفشال انقلاب كاد يطيح بنظام حكم أردوغان، و”حزب العدالة والتنمية” في 15 يوليو الحالي.

ففي ذلك اليوم، تحرَّكت قوات عسكرية بتخطيط من محرم كوسا، المستشار القانوني لرئيس الأركان خلوصي آكار، ودعم من ضباط آخرين، بعضهم من ذوي الرتب الرفيعة، لمحاولة الإطاحة بالنظام، وأغلقوا جسر البوسفور، وأصدروا أوامر بتحليق مروحيات عسكرية في سماء أنقرة، كما سيطروا على قناة “تي آر تي” الرسمية، وبثوا البيان الأول، الذي تعهَّدوا فيه بإصدار دستور جديد، وإنشاء “مجلس سلام” يدير الحكم في البلاد.

في هذا اليوم، جاء الجهد الكبير لإفشال الانقلاب من المخابرات.

المعروف عن فيدان أنه قريب جدًّا من أردوغان، وقبل تعيينه حصلت حادثة أظهرت النفوذ الذي يتمتع به فيدان، حيث استدعى قاضي التحقيق في قضية التنظيم السري لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) فيدان للتحقيق معه كمشتبه به مع أربعة من قيادات جهاز المخابرات، بعد الاشتباه في تقديمه الدعم للحزب الكردستاني، أو غض بصره عن معلومات مسبقة عن عمليات مسلحة وهجمات نفذها الحزب ضد رجال الأمن في تركيا، لكن حكومة أردوغان عمدت فورًا إلى إرسال قانون يعطي الحصانة لرجال المخابرات من الإدلاء بأقوالهم أمام المحاكم الجنائية، وواجه القانون، الذي جرى إقراره خلال 48 ساعة فقط، انتقادًا شديدًا من المعارضة.

ويقول جيمس جيفري، الذي عمل سفيرًا للولايات المتحدة في تركيا والعراق إن: “فيدان هو وجه الشرق الأوسط الجديد”، وتابع قائلًا: “علينا أن نعمل معه؛ لأنه يستطيع إنهاء المهام، لكن يجب عدم افتراض أنه الصديق الساذج للولايات المتحدة؛ لأنه ليس كذلك”.

ويصفه إيمري أوسلو، خبير في شؤون الاستخبارات، بأنه “أقوى كثيرًا من أي وزير، بل إنه أقوى من الرئيس عبدالله غول نفسه”.

وتقول تقارير صحافية عديدة إن فيدان لديه قناعاته الخاصة وتوجّهاته، التي تصبُّ في صالح السياسة العامة لتركيا، وهو عمل على إعادة توجيه نشاط جهاز المخابرات بما يتلاءم مع مشاريع أردوغان الإقليمية، كما يرى ذلك الأمريكيون من “أن مساعي هاكان لا تهدف إلى تقويض دور الولايات المتحدة، وإنما إلى خدمة مصالح تلك المشاريع الإقليمية”.

ومن تلك القناعات والتوجهات في التعامل مع العديد من القضايا، موقفه من الأزمة السورية؛ حيث تشير التقارير إلى أن فيدان هو صاحب نظرية أن “التسليح المباشر والنوعي للمعارضة السورية هو الحل الوحيد”. وشرع فيدان بالفعل بعد أغسطس عام 2011 في توجيه جهوده لتعزيز قدرات المعارضة السورية، عن طريق السماح للسلاح والمال والدعم اللوجستي للمعارضة السورية في شمال البلاد، وعلى الحدود مع بلاده.

سيطرة استخباراتية
وبدت توجهات فيدان تطفو على السطح مع “الربيع العربي”، فقد بدأ الرجل في توسيع سيطرة الاستخبارات التركية، وترجّح العديد من التقارير الإخبارية أن الجهود الاستخباراتية التي بذلها فيدان كانت وراء الإفراج عن الرهائن اللبنانيين التسعة بعد احتجازهم 17 شهرًا لدى معارضين سوريين مسلحين.

هذا الدور مكَّن فيدان من أن يكون الرجل القوي والنجم الصاعد بقوة، كما جعله ذلك في مرمى النيران الأمريكية، التي يختلف معها في كثير من التوجهات، وينظر إلى المسائل والقضايا الدولية الحاصلة برؤية مختلفة، كما يقول مسؤول استخباراتي أمريكي متحدثًا عنه: “إننا لا ننظر للعالم من خلال العدسات ذاتها”.

ظهور هاكان فيدان جاء مع بداية التبدل في السياسة الخارجية التركية، ومن هنا تمت إعادة بناء الاستخبارات التركية بقيادة رئيس جديد مقرب من الحكومة، وتقسيمها إلى جهازين، أحدهما للداخل، والآخر للخارج، على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي أي)، ووكالة المخابرات المركزية (سي إن إن)، لتعزيز حضور الاستخبارات التركية في المناطق الساخنة، ولتلبية حاجات دور تركيا المتنامي، بدءًا من الشرق الأوسط وجيرانها الروس والقوقاز وآسيا وأفريقيا، وحتى الأمريكتين وأوروبا و”إسرائيل”.

فيدان يعمل بشكل مستقل عن التوجّهات الغربية، ويقول زعماء المعارضة السورية، بالإضافة إلى مسؤولين أمريكيين إن فيدان تصرَّف كـ”شرطي مرور”، حيث رتَّب دخول شحنات الأسلحة والقوافل عبر نقاط التفتيش الحدودية على طول الحدود السورية التركية.

وتردد أن فيدان تكنوقراط بيروقراطي لا يهتم بالسياسة التركية الداخلية، وهذا الأمر يصب في مصلحة أردوغان، الذي لا يحبذ تقدّم شخصية أو اسم سياسي عنه داخل الحزب، إضافة إلى أن أردوغان يثق ثقة كبيرة به، ويعدّه كاتم أسراره بعد أن عمل معه لفترة طويلة من خلال توليه منصب مساعد مستشار رئيس الوزراء، ولاحقًا منصب رئيس مكتب المساعدات التنموية التابع لرئاسة الوزراء، ويبدو من الصعوبة بمكان أن يخون فيدان رئيسه أردوغان، الذي وقف إلى جانبه في المواقف الصعبة والحرجة.

وبدا وكأن رهان أردوغان على فيدان كان في مكانه الصحيح، فالرجل لحظة الانقلاب الفاشل طلب من جميع أعضاء الاستخبارات تطبيق قواعد الاشتباك مع المتمردين، والجهاز مع القوات الخاصة هو الذي نفذ عمليات الاعتقال للمشاركين بالانقلاب، فاستحق لقبه الجديد “المنقذ”.

وكالات